مقالات
ألم يأن للجزائر أن تقول كلمتها؟!
مقال:
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. وسام الأطرش – ولاية تونس
لا يخفى على كل متابع، أن الجزائر هي دولة ذات شأن وهي قوة إقليمية صاعدة، تحتل مكانة استراتيجية في المنطقة إذ هي بمثابة المفصل على المستوى الإقليمي كما أنها تقع في منطقة ربط بين القارة العجوز والقارة السوداء، فضلا عن كونها بوابة عبور للعديد من البلدان الأفريقية، وفوق ذلك كلّه فإن انتماءها العربي والإسلامي يعطيانها ثقلا مهما يزيد من اهتمام القوى الكبرى بها خشية تفلتها من قبضتها.
هذه العوامل وغيرها، جعلت الجزائر محط أنظار القوى الاستعمارية، خاصة بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تنظر إليها أوروبا على أنها البديل الطاقي لروسيا، في حين تزايد اهتمام أمريكا بها أكثر من أي وقت مضى، وسارعت تركيا إلى مد جسور التواصل معها وعقد اتفاقيات في مجالات عدة على غرار التعليم والبحث العلمي والصناعة والتجارة والطاقة، في المقابل نجدها تحافظ على علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة مع روسيا والصين، في وقت تمني فيه نفسها بدخول مجموعة البريكس (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا).
ورغم أن الفساد المالي قد أثقل كاهلها نتيجة لتطبيق الرأسمالية، حيث يدفع أهلها ضريبة جنون الأسعار، فإن اقتصادها يشهد نموا وتقدما بشهادة صندوق النقد والبنك الدوليين ما جعلها رابع اقتصاد أفريقي، وإن احتياطيها من النقد الأجنبي بلغ حاليا 64 مليار دولار خلافا لكل التوقعات إضافة إلى امتلاكها احتياطات ذهب تُقدَّر بـ173.6 طن (الثالثة عربياً)، بل لأول مرة منذ أربعة عقود، تجاوزت صادراتها خارج المحروقات 7 مليارات دولار، ما جعل رئيسها يوقع على أضخم ميزانية في تاريخها، حيث بلغت ميزانية 2023 ما يقارب 100 مليار دولار.
ومع ذلك فإن دولة في حجم الجزائر لم تعد في حاجة إلى شهادة من مؤسسات مالية دولية تشرف على إخضاع الحكومات وتفقير الشعوب ونشر الخراب الرأسمالي، بل هي قادرة على امتلاك رؤية استراتيجية منبثقة من عقيدة الإسلام وملتزمة بأحكامه في الحكم والاقتصاد والتعليم والسياسة الداخلية والخارجية، لأن الوعي بالإسلام وأحكامه هو الصخرة التي تتفتت عليها جميع مكائد الغرب ومؤامراته مهما عظمت.
فالجزائر لديها من المقومات والموارد الطبيعية والبشرية ومن المساحة الجغرافية ما يؤهلها لأن تكون دولة ذات تأثير كبير في محيطها الإقليمي متى تجاوزت إملاءات الغرب وتغلبت على عقدة النقص، ولا يتأتى ذلك إلا بالإسلام عقيدة ونظاما، أما الجيش الجزائري الذي يبلغ تعداده أكثر من 600 ألف جندي ويمتلك أقوى المعدات والأسلحة الحربية وأكثرها تطورا، فهو الثالث عربيا والثاني أفريقيا والأول مغاربيا، وهو جيش لا يُقهر متى تحصن بالعقيدة الإسلامية وجعل منها دون سواها عقيدته العسكرية، عندها سيكون محصّنا فعلا أمام الاختراق، وعصيّا على الإغراءات، وسيكون بلد المليون شهيد مقبرة لكل عدو تسول له نفسه الاقتراب، لأن وجود الوازع الداخلي المؤسس على تقوى الله والقتال لإعلاء كلمة الله وحب الشهادة والتطلع لأجر الآخرة، يقوي في الجندي معاني التضحية، ويبعد عنه السقوط في حبائل الارتباطات المعادية التي يسقط فيها من يعتبرون الجندية مجرد وظيفة للتكسب.
الأكثر من ذلك كله أنه ليس للجزائر مديونية خارجية، وهو ما يمنحها سيادة فعلية على قرارها تغنيها عن السير في ذيل الدول الاستعمارية، وتؤهلها لفك الارتباط بالنظام العالمي في شكله الحالي والتحرر النهائي من السياسات الليبرالية التي تُكبّلها ومن كل أشكال التبعيّة.
هذا الكلام، ليس أضغاث أحلام تراود العاملين لإقامة الخلافة والساعين لتوحيد الأمة وتحرير الأقصى من رجس يهود، ولا مجرد أماني لدى من يرون إمكانية أن تصبح شمال أفريقيا مرتكزا لدولة كبرى توحد المسلمين وتقودهم نحو تحقيق بشارة فتح روما، إنما هي بذور وعي بطبيعة الدور الجيوسياسي الذي يمكن أن تلعبه الجزائر التي زُرعت في أرض عقبة بن نافع، أرض الخلافة الراشدة الأولى، عسى أن نستظل بأشجارها ونقطف ثمارها زمن الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريبا بإذن الله.
إن أفريقيا، بلد عقبة بن نافع، شاهدة على أن تونس تقاسمت مع ليبيا والجزائر تاريخا إسلاميا مشتركا حافلا بالانتصارات، وذلك منذ حكم الخلفاء الراشدين، وإن الأمة الإسلامية لم تعرف طعما للهزيمة إلا حين بعدت عن فهم الإسلام وأحكامه، فتمكن الكافر المستعمر منها وأسقط خلافتها سنة 1924م، فقسمها إلى دويلات كثيرة نصب عليها حكاما عملاء حكموها بغير ما أنزل الله، حتى كاد المسلمون ينسون أن التابعي والقائد العسكري الفذ عقبة بن نافع الذي بنى مسجدا باسمه في القيروان بتونس، هو نفسه الذي بنى مسجدا باسمه في بسكرة بالجزائر أين توفي رحمه الله، بل حتى ظنوا لوهلة أن هذه الحدود الوهمية المصطنعة التي رسمها الاستعمار للحيلولة دون وحدة المسلمين على أساس العقيدة والدين، هي قضاؤهم وقدرهم وأنها أقفاص لا يمكن التفكير في التحرر منها والخروج من جورها إلى عدل الإسلام ومن ضيقها إلى سعة الدنيا والآخرة.
أما اليوم، فنرى أن تونس التي حكمها بورقيبة وبن علي بمنطق علماني بغيض صارت هي منطلق شرارة ثورة الأمة، وأنها استفزت بثورتها السلمية ثم بشعاراتها الإسلامية كل قوى الكفر، فراحوا ينصبون العميل تلو الآخر ويصوغون الدستور تلو الآخر، ويتنافسون في ذلك كل حسب مصالحه، من أجل إخماد جذوة الثورة والحيلولة دون عودة هذا البلد إلى حاضنته الطبيعية، ضمن خير أمة أخرجت للناس. ولذلك لم يهنأوا حتى أعادوا تأزيم الوضع وتقسيم المجتمع وتيئيس الناس من التغيير، وتدويل هذه الأزمة، حتى صار يفتي في حلها القاصي والداني، بل حتى صار بابا الفاتيكان يقترح الحلول على شباب تونس وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وها هي ليبيا بلد المليون حافظ لكتاب الله، قد استلهمت من تونس قيم الثورة الرافضة للظلم، فأطاحت بالقذافي منكر السنّة، ولكنها دفعت ضريبة ذلك حربا أهلية أوقد فتيلها الكافر المستعمر بقيادة الناتو الذي أشرف على زرع الفتنة وتسليح الثوار، حتى انشطرت ليبيا إلى اثنتين، وسقطت في مستنقع لن يخرجها منه سوى المشروع الحضاري للإسلام.
ولم تكن الجزائر بمنأى عما يحصل في بلدان الثورات لما يعيشه شعبها من ظلم واضطهاد، حيث وصل الوضع لدى الجارة الجزائرية إلى درجة الغليان سنة 2019، ما أجبر الغرب على إحداث تغييرات تكتيكية في تضاريس المشهد السياسي توهم الناس بالتغيير سعيا لتبريد تلك الأجواء الساخنة وإطفاء شرارتها.
ومع ذلك، فإن كل ما قام به الغرب لم يُلغ وجود مشاعر الاحتقان والامتعاض الكامنة في صدور الناس تجاه حكامهم في شمال أفريقيا، بل زاد من حجم الغيظ نتيجة الضغط المسلط عليهم إلى اليوم، وهو ما يبقي هذه المنطقة المتقلبة حبلى بالمفاجآت، وهي في ذلك بمثابة البركان النشط، لأن الغرب الذي نجح في توظيف القوى الصلبة في هذه الدول لصالح مشاريعه الاستعمارية عبر استمالة قياداتها، نسي أن انصهار الشعوب في بوتقة الإسلام من جهة والضغط الرأسمالي المتزايد عليها من جهة أخرى، سيمس قطعا هذه القوى الصلبة التي تنتمي للأمة نفسها وتدرك خيانات الحكام أكثر من غيرها، لتخرج بذلك من دائرة الحياد المفروض عليها والسلبية المقيتة لتتبنى موقفا واضحا من الثورة والتغيير الجاد على أساس الإسلام وتصبح جزءاً من القوى الثائرة، تماما مثلما يتزايد الضغط على الصخور المنصهرة في الأرض فتبحث عن الثغرات الموجودة بين الصخور الصلبة، وتصعد نحو الأعلى فتحدث شقوقا في هذه الصخور المتجمدة رغم قساوتها وتصلبها وتتدفق الصهارة نحو فوهة البركان، عندها يحصل الانفجار الثوري في وجه الغرب، فيُذيب حوله كل القوى والطاقات داخل المشروع الحضاري الإسلامي.
ولذلك لا يمنعنا هذا الظلام الحالك الذي نعيشه زمن الملك الجبري من رؤية المبشرات ولا يحجب عنا نور فجر الخلافة الراشدة القائمة قريبا بإذن الله، بل إن النظر في الجانب المشرق من الواقع الذي تعيشه المنطقة، يجعلنا على يقين بأن أهل أفريقية يتشوقون إلى تحرير المسجد الأقصى، وأنهم سيلتفون قطعا حول الخلافة مبعث عزهم ومحررة أرضهم وقاهرة عدوهم وسبيل خلاصهم، عسى أن يكتب الله على أيديهم تاريخا جديدا للأمة، بعيدا عن أشكال التهافت والعبث العلماني التي يصنعها أشباه الحكام هذه الأيام. قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾.
ففي الوقت الذي يعيش فيه حكام تونس أوهام السيادة والاستقلال متمسكين بقشة “الوطنية” مع أن بلدهم ليس سوى حديقة خلفية للاستعمار يرتع فيها كيف يشاء، وفي ظل فشل المشاريع القطرية الضيقة وانسداد الأفق في جل الدول العربية المرتهنة للغرب، فإن الملاحظ أن بعض الأوساط الفكرية والأكاديمية في الجزائر قفزت فوق الحدود القطرية الوطنية وراحت تناقش سبل التحرر من الاستعمار ومن الهيمنة الغربية خارج الأطر التقليدية، فبلورت مفاهيم جديدة للأمن القومي ورؤية جديدة للاقتصاد بما يعكس تنامي الوعي على حقيقة “الوطنية” من كونها لا تعدو أن تكون فخا سياسيا أوجده الاستعمار تكريسا لحالة الفرقة والتبعية والضياع، وعائقا أمام الأمة لنهضتها وتحقيق وحدتها وصياغة مشروعها الذاتي في كيان مستقل عن إرادة الغرب.
ذلك أن الدولة (أي دولة) إذا أرادت أن تفرض سيادتها وتحافظ على أمنها القومي، فإن مقتضيات هذا الأمن القومي ستدفعها بالضرورة إلى أن يتجاوز اهتمامها السياسي والاقتصادي والثقافي حدود تلك الرقعة الجغرافية التي نشأت فيها، فما بالنا لو كانت دولة مبدئية لها مبدأ تسعى لنشره عالميّا، عندها ينسحب مفهوم “الوطن” على كل شبر من الأرض يحمل أصحابه الولاء للفكرة التي نشأت على أساسها هذه الدولة، قبل أن يحملوا التابعية الفعلية لها، وتصبح هذه الفكرة أو الأيديولوجية هي الأساس في الدفاع عن المصالح الحيوية والتأثير في العلاقات الدولية، وخوض معركة تحويل الولاءات خارج الحدود الرسمية للدولة، وهذا هو عين ما تفعله الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، استباقا لقيام دولة إسلامية تنتزع منها النفوذ وتسحب البساط من تحت أقدامها في كثير من البلاد الإسلامية، خاصة وأن ولاء المسلمين لإسلامهم وعودتهم لأحكام دينهم في ازدياد مستمر مقابل كفرهم بكل أساليب الخداع والتضليل الديمقراطي، وهذا أكثر ما يؤرق الغرب.
في هذا الإطار، وبخصوص الجزائر كدولة إقليمية صاعدة يريد الغرب أن يشغلها بنفسها من خلال فرض الخيار الليبرالي في الاقتصاد وما يسببه ذلك من أزمات، ثم من خلال وضعها بين مطرقة مكافحة الإرهاب وسندان حقوق الإنسان، فضلا عن إثارة قضية الصحراء الغربية المفتعلة، فقد نشر مركز دراسات الوحدة العربية دراسة جزائرية تحت عنوان “الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي وسبل التحرر منها” ومن أبرز ما جاء فيها هو “ضرورة أن تقوم الدولة صناعيا على الصناعات الثقيلة ثم الوسيطة وإعادة هيكلة الاقتصاد على هذا الأساس”، وهو عين ما دعا إليه حزب التحرير في مشروعه السياسي، بل هذه الفكرة أساسا هي زبدة كلام أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله، ضمن كتابه “سياسة التصنيع وبناء الدولة صناعياً”.
كما تحدث الكاتب والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور منصور لخضاري في كتابه “الامتدادات الجيوسياسية للأمن الوطني في الجزائر” عن تغيرات عميقة في موضوع “الأمن الوطني” مست صلب محدداته ومهدداته، فلم ﻳﺒﻖ ﻣﺠﺎﻟﻪ ﻣﺤﺪدا ﺑﺤـﺪود اﻟﺪوﻟـﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴـﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻟﺤﻖ اﻟﺤﺪود ﻣﻦ ﻣﺮوﻧﺔ ﺧﺪﺷﺖ ﻗﺪﺳﻴﺘﻬﺎ وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻄﻮﻃﺎ ﻣﺎﺋﻌـﺔ بعد أن كانت حدودا مانعة، مستشهدا في ذلك بتعريف المحلل السياسي الأمريكي “والتر ليبمان” (صاحب مصطلح “الحرب الباردة”) الذي يرى بأن “الأمن الوطني هو قدرة الدولة على متابعة سير مصالحها بنجاح، وفقا لما تراه موافقا لمصلحتها في أي مكان من العالم”.
ثم راح هذا الكاتب الجزائري المختص في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، يفصل في مفهوم “الأمن الوطني” ضمن كتابه السياسة الأمنية الجزائرية: المحددات – الميادين – التحديات، حيث جاء الكتاب في ثلاثة فصول، انطلق فيه الفصل الأول “محددات السياسة الأمنية الجزائرية” من فرضية أنّ اقتران مفهوم “الأمن الوطني” بالدولة القومية لا يعني انحصار محددات سياسة بنائه داخل حدود إقليمها الذي تمارس عليه سيادتها، بل يتجاوزه إلى ما وراءها، لما يقتضيه ذلك من ضرورة وضع الدولة في إطار امتداداتها الجيوسياسية والجيو-اقتصادية والجيو-استراتيجية.
في هذا الإطار، فإن الوقوف الجاد على مسألة الأمن الطاقي والأمن الغذائي وبالتالي على ملف الثروات الطاقية والمائية وإدارتها في منطقة غدامس التي أسسها عقبة بن نافع رحمه الله وتلاعب بها الاستعمار كيفما شاء، لا يمكن أن يتم في هذه المرحلة بالذات دون تنسيق مشترك بين كل من تونس وليبيا والجزائر، ولعل هذا الحوض وامتداده على البلدان الثلاث دليل حسي وعيني على أن الخلافة هي الماضي المشترك، وهي المستقبل المشترك قريبا بإذن الله، وأن الوطنية هي المشكل ولا يمكن أن تكون هي الحل، وأن هذه السنوات العجاف هي مرحلة استثنائية في تاريخ الأمة، وإلا فهل كانت تونس لتقف على طابور صندوق النقد الدولي متسولة وجارتها هي الجزائر؟!
هذا، والأمثلة على تنامي الوعي بالدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في قادم الأيام مع مناطق امتدادها الطبيعي (تونس وليبيا) أكثر من أن تحصى أو تعد، وهي تبدأ بإزالة الحدود الوهمية وربط علاقات التعاون على جميع الأصعدة،
ولكن حسبنا أن نكتفي بهذه الإشارات عسى أن تجد طريقها إلى المخلصين من أبناء الأمة، فيقدموا مشروع توحيد المسلمين بوصفه واجبا شرعيا عظيما وضرورة حياتية ملحّة على أفكار ومشاريع الاستعمار، من قبيل الانتماء إلى البريكس والحصول على مقعد في مجلس “الأمن” والإقلاع الاقتصادي بين أحضان الرأسمالية وإغداق الأموال الطائلة على تقوية الرابطة الأفريقية، مقابل التنكر للمشروع الإسلامي ولأيديولوجية “الإسلام السياسي” التي تبرأ منها أمثال عبد المجيد تبون في تصريحه الشهير.
وأمام تقهقر مشاريع الكافر المستعمر وسيرها نحو الاحتضار والاندثار وتهاوي حضارته الرأسمالية الفاسدة وإفلاس قوانينه المفروضة على المسلمين بالحديد والنار، فإن الجزائر قادرة بإذن الله على تجاوز جميع السجالات النظرية التي دفعت إليها دفعا، وعلى التخلص من كل العراقيل التي تكبلها وتمنعها من تبني المشروع النهضوي بالإسلام، والذي يتحقق بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، حيث تكون السيادة للشرع ويكون السلطان للأمة تمارسها بشكل جدي وفعلي، فتحاسب الحاكم على أساس الإسلام، بعيدا عن كل أشكال التضليل السياسي الذي جاءت به الديمقراطية. أولم يأن للجزائر إذن أن تقول كلمتها وأن تتخذ الإسلام أساسا لنهضتها؟
ختاما، فإنه لا سبيل لصد مكائد الاستعمار المتجددة وعلى رأسها مخططات أمريكا التي تقود المعركة الحضارية العالمية ضد الإسلام وتحاوط أطراف الجزائر، إلا عبر التمسك بحبل الله المتين، والعمل على توحيد المسلمين، والالتفاف حول قيادة رشيدة تعيد السنا والرفعة لهذه الأمة وهذا الدّين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
وإن أحفاد عقبة بن نافع وطارق بن زياد في شمال أفريقيا، لقادرون بإذن الله وعونه، على إعادة صياغة تاريخ مشرق للأمة الإسلامية، بقلع هذه الأنظمة الخاضعة للغرب وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتعود الفتوحات إلى أوروبا الصليبية، وتعود فرنسا الحاقدة على الإسلام والناهبة لخيرات أفريقيا إلى حجمها الطبيعي، وتعود أمريكا إلى دفع الجزية عند مرور أسطولها من ولاية الجزائر، ويُنزع كيان يهود الغاصب لأرض الإسراء والمعراج من جسد الأمة الطاهر، تحقيقا لوعد الله سبحانه. قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.