احذروا الفتنة السياسية في تونس، فهي أجندة استعمارية ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾
في وقت تكاد تنسدّ فيه الآفاق أمام أبناء تونس وبناتها، ويكتوي فيه الناس بلهيب الأسعار، وتتضاعف فيه موجات الهجرة السرية والعلنية فرارا من مصير مجهول، ويتعدل فيه قانون المنشآت العمومية تمهيدا للتفريط في مقدرات البلاد… في هذا الوقت العصيب، يتردد على مسامعنا خطاب سياسي متشنج هو أبعد ما يكون عن الحكمة والرشد، وعن تقديم الحلول والبدائل للخروج من الأزمة ضمن قراءة عميقة ورصينة تستهدف التغيير الجذري وتنتصر للعقيدة والدين، بل يحتكر الرئيس وخصومه المشهد السياسي بطريقة تختطف البلد وتقدمه على طبق من ذهب للقوى الاستعمارية المتربصة بالبلاد والعباد، ليصبح الطرفان عنوان الأزمة محليا وإقليميا ودوليا.
فبين دعوة رئيس الدولة “المواطنين الصادقين” إلى تطهير البلاد من كل عبث بمقدرات الدولة والشعب، وبين نعت الجيش بأنه جيش “انقلابي” ضمن قياس شمولي مُدانٍ ثم إرداف هذا النعت بالقول إن “الانقلابات تُرمى بالحجارة”، ينعدم الحديث عن البرامج السياسية، وتُصبح العدمية والإقصاء والتأسيس للفوضى ولقانون الغاب وإشغال الناس بالصراعات الوهمية والمهاترات الفارغة هي البرنامج الوحيد للوسط السياسي حكاما ومعارضة، ألا ساء ما يحكمون! بل تصبح الفتنة التي يؤجج نارها الاستعمار سيّدة الموقف، والفتنة أشد من القتل!
وأمام هذا الوضع البائس الذي يعيشه البلد، يهمنا في المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية تونس أن نبيّن ما يلي:
1- إن ما يجري اليوم من انسحاب واضح من حلبة الصراع الفكري أمام الإسلام، ومن حصر للمعركة بين أدوات الصراع الغربي على بلادنا، ومن إيهام الناس بإيصال الثورة إلى بر الأمان عبر صياغة دستور وضعي جديد وتشكيل برلمان جديد يشرع من دون الله، واتخاذ القوانين الجديدة المخالفة للإسلام أساسا للتخاصم وفض النزاعات، ضمن لعبة سياسية قذرة يحدد الغرب وهيئاته إطارها وقواعدها ويتحكم في نتائجها، لهو أجندة سياسية خبيثة تريد أن تغلق قوس الثورة وتنهي النقاش السياسي حول الإسلام كمشروع حضاري قادر على تحرير المسلمين وإنهاضهم، فتقتل فيهم الرغبة في التغيير، عبر استغلال فرية فشل الإسلام السياسي. ولذلك لم يكن غريبا أن تتقاطع هذه الأجندة مع الرؤية الأمريكية التي فرضت إعادة تطبيع العلاقات مع نظام الطاغية بشار أسد الذي قصف الشعب السوري بالكيماوي، ومن يدري ما بعد ذلك؟!
2- كما أن جعل الشعب على هامش الحياة السياسية من خلال تزوير إرادته وإقصائه نهائيا من دائرة الفعل السياسي، بدعوى أن الرئيس وصل عبر الصندوق الديمقراطي، ليصبح هذا الشعب مجرد مستهلك ومتابع للأحداث ولمسار سياسي باهت لا يعبر عنه وعن مشاغله، أو مجرد رقم في معادلة صندوق النقد الدولي، لهو تأكيد حسي وملموس على أن خطاب الفتنة الذي يبثه وكلاء الاستعمار حشدا لأنصارهم لا يخدم إلا أجندة القوى الغربية التي صارت تذرف دموع التماسيح على مستقبل تونس، في الوقت الذي تتبخر فيه أحلام شعبها بين مهاترات أشباه السياسيين والحكام وغفلتهم. فهل الديمقراطية نزلت عن طريق الوحي أم أن صناديقها معجزة نبوية لا تخضع للمساءلة؟!
3- إن الغرب الذي لم يستطع إخفاء غيظه من ثورات الأمة، وما تخفي صدورهم أكبر، هو من يُشعل نار الفتنة ليتدخل قادته وساسته كفرق إطفاء، وما اعتزام منظمة الأمم المتحدة رعاية حوار مجتمعي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل انطلاقا من النصف الثاني من العام الجاري إلا دليلا على التدخل السافر للغرب في أدق تفاصيل شؤون البلاد، خاصة بعد أن أحكم قبضته على مرتزقة السياسة وأقصى الإسلام من الحكم، وهو ما ينذر بشرٍّ مستطير، فالغرب هو من يدفع بأبناء هذا الشعب ليكونوا وقود هذه المعركة، وما حصل في ليبيا واليمن والعراق والسودان خير شاهد.
وفي الختام نتساءل:
أولم يدرك الجميع إذن أن المستهدف الأول من أجندة التناحر التي يفتعلها صناع الفتن، هي الجيوش التي يمنع الغرب اصطفافها ضمن مشروع الأمة الحضاري ويُبقي ولاءها لأنظمة الضرار؟!
وهل سيتعظ الأتباع والأشياع في تونس ويدركوا ألاّ خلاص لأهل الزيتونة إلا بالإسلام في دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة؟!
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في ولاية تونس